الألوان لغة قائمة بذاتها

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : كريستين سري الدين
Jul 11 24|12:18PM :نشر بتاريخ

يا له من كون غريب وعجيب، مليء بالألغاز والأسرار نعيش فيه ولكننا لا نعلم سوى القليل عنه.
تسعى الأبحاث والدراسات جاهدة منذ آلاف السنين لإيجاد التفسيرات المنطقية لأمور كثيرة تدور من حولنا نعيش تفاصيلها ولكننا لا ندرك أسبابها. ومن الأمور التي شغلت فكر الفلاسفة والعلماء على مر العصور كانت ولم تزل الألوان.
فظلت الألوان تشكل اللغز الحائر الذي يرتبط به الإنسان دون أن يعرف سر هذا الارتباط المتين والخفي. والسؤال الأهم:  هل يمكننا العيش بدون الألوان؟
تعددت الآراء واختلفت وجهات النظر حول هذه المسألة وتبين أنه من المستحيل التغاضي أو الاستغناء عن الألوان فهي متغلغلة في صميم حياتنا اليومية ومرتبطة بحالتنا النفسية والدليل على ذلك إنه عندما يكون الإنسان سعيدا وموفقا في يومه يقول هذا يوم أبيض للدلالة على الخير أما إذا كان حزينا في يومه يقول هذا يوم أسود وذلك للدلالة على الشؤم.  
  إن الألوان وجدت منذ بدء الحياة. فلا حياة ولا وجود بدون ألوان.
يخبرنا كتاب علم الألوان بأن الإنسان وعى وجودها في العصر الثالث للأرض ولكن لم يعطها الاهتمام الكافي لأن همه الأول والأخير كان تيقن وجوده والتكيف مع الطبيعة. ولكن الاهتمام الأكبر الذي حظيت به الألوان كان في عصر قارة Atlantis ، عصر القارة المفقودة التي أصبح فيها للألوان علما متطورا كالعلوم الأخرى. فاستخدمت في الهندسة والطب والطقوس الدينية... ولكن مع اندثار القارة دفنت جميع المعارف والعلوم في الوعي الباطني للإنسان. ثم عاد الإنسان في العصر الخامس وانشغل من جديد بواقع وجوده دون الاهتمام بالألوان، ولكن عندما تلمس أهمية معانيها وتأثيرها البالغ في نفسه راح يهتم بها ويدرجها في حياته اليومية حتى أصبح لكل لون رمز ودلالة معينة مثلا الأحمر يعني القتال والأصفر الداكن الحقد والأخضرالداكن السلام والأحمر القرمزي للدلالة على المفهوم الديني.
ولكن الألوان استعادت أهميتها الفعلية مع الحضارات الإغريقية-المصرية وبلاد ما بين النهرين. حيث كان للعائلات المالكة ألوانها الخاصة وكذلك الأمر بالنسبة لعامة الشعب.  كما استخدمت أيضا للتداوي وكان لها تأثير مغناطيسي في الجسد فمثلا اللون الأحمرلإزالة الخوف والبرتقالي لشفاء الأمراض العضوية والأزرق لتنشيط الجسم.
 نحن بطبيعتنا نعشق الألوان، فهي تشكل لنا مصدر السعادة والبهجة والجمال والاسترخاء. فإذا وضعنا كتابين الأول ملون والثاني يحتوي على لونين فقط الأبيض والأسود وطلبنا من شخص ما اختيار كتاب منهما للقراءة، سنجد أن الخيار الأول سوف يقع على الكتاب الملون.
ولكن لماذا؟ لماذا الإنسان يختار لونا معينا ويبتعد عن لون آخر؟
من المتعارف عليه بإن الإنسان يختار لونا معينا ويتواصل معه تبعا لذوقه ومزاجه، لا ننكر بأن هناك عوامل عديدة تلعب دور المؤثر في عملية الانتقاء  مثل الفئة العمرية والجنس والمهنة والحالة الاجتماعية والخبرة، ولكن في الواقع، الإنسان لا يدرك سبب هذا الرابط الباطني والخفي بينه وبين اللون الذي اختاره.
أثبتت الدراسات الجامعية في مختلف أنحاء العالم أن للألوان تأثيرا بالغا في أعماق النفس البشرية وفي خلايا الجسم حيث بعضها يولد طاقة ايجابية مثل الراحة والفرح والطمأنينة والحب والهدوء والبعض الآخر يولد طاقة سلبية مثل التوتر والخوف والقلق. فالألوان تؤثر في الأعضاء والقدرات الذهنية والفكرية والعاطفية والتعبيرية والسلوكية. وكان علماء النفس قد استفادوا من طاقات الألوان في العلاج. فاللون الأصفر لعلاج الأعصاب وتطهيرالجسم من السموم والأحمر لرفع مستويات جريان الدم والأزرق لتسكين الآلام والبرتقالي لعلاج أمراض الرئة والنيلي لأمراض الجلد و التجميل. ونرى أيضا هذا العلاج في الطب البديل الذي يقوم على فكرة إن للألوان تأثيرا مهما على صحة وحياة الفرد.
 تقول الدكتورة هناء شمس المتخصصة في العلاج بالألوان لكل عضو لون معين مثلا الكبد له اللون الأخضر والرئة لها اللون الأبيض واللون الوردي للقلب واللون الأحمر للعامود الفقري.
وتخبرنا أيضا الدكتورة أمل عطوة استشاري الطب النفسي:" إن الناس ذوي الطبيعة الاستعراضية يميلون لارتداء الألوان المشرقة والصارخة بينما الناس ذوي الطبيعة الانعزالية يميلون للألوان الهادئة وغيرالملفتة للنظر".
وتحكي الدكتورة جورجيت سافيدس أثناء علاجها لمرضى نفسيين بأنها لاحظت أن مريض الاضطراب النفسي ذوالقطبين يميل إلى خلط ألوان كثيرة ساطعة و غير متناسقة مع بعضها في ملابسه للفت الانتباه. 
ونود هنا أن نسلط الضوء على فكرة مهمة وهي إن المعرفة الحقيقية موجودة في عالم اللامنظورأي الباطني وبما إن الألوان قائمة في الجسم الباطني الخفي، كان لابد من اللجوء إلى علم يهتم بالباطن الخفي فما كان هذا العلم إلا الإيزوتيريك.  فالإيزوتيريك، رائدة العلوم، تهتم بالجوانب الباطنية للنفس البشرية.
عرف عنها الدكتور جوزف د.مجدلاني بأنه علم الحياة في شقيها الظاهر والباطن، هوعلم الإنسان وتميزهذا العلم بتقديم النواحي الخفية في الإنسان. اهتمت الإيزوتيريك بالألوان وبدورها وببعدها الباطني الذي تخطى الرسم والتلوين والذوق والتسلية والمزاج. واعتبرت أن الألوان هي تجسيد الشيء في ذبذبات مادية وهي في طيف النور درجات مختلفة في التذبذب تتراوح بين الأحمر الأقل تذبذبا والبنفسجي الأكثر تذبذبا. والذبذبات اللونية هي بمثابة ذرات حياة. فالذرات المكونة من الطاقة اختارت الألوان ثوبا لها.
ونرى أيضا أن للون الواحد دلالات عديدة اختلفت باختلاف الثقافات وتطور العصور  فمثلا اللون الأحمر يدل على الهزيمة في الهند والموت في أفريقيا والقوة في فرنسا والبهجة في الصين والإثارة والخجل عند العرب.
 دراسات عديدة تكلمت عن ألوان دافئة تثير الدفء والطاقة نسبة للشمس والنار مثل الأحمر والأصفر والبرتقالي وعن ألوان باردة مثل الأزرق والأخضر والبنفسجي تثير الاسترخاء والراحة نسبة للبحر والسماء. وأبحاث أخرى ركزت على الدلالات السلبية والإيجابية للألوان مثلا اللون الأخضرالذي اعتبر لون الطبيعة والنضارة والصحة نراه معتمد في منتجات الصحة ويرمز إلى المال و الثراء لون العملات الرقمية وهو معتمد في البورصات والبنوك ويدل على النمو والحيوية أما دلالته السلبية فهي  الركود.  مثال آخر الأزرق لون السماء و المحيطات يدل على المصداقية والثقة بالنفس والقوة  ومن هنا استخدمته Facebook  أما المعنى السلبي فهو البرود.
وأخيراً ليس آخراً لا بد لنا من الاعتراف بأنّ للألوان عالماً خاصاً شاسعاً وغامضاً. للألوان حسن التعبير والتأثيروهي تعتبر من أقوى وسائل التواصل الاجتماعي. فهي لم تزل تجسد تيارات فكرية وروحية مختلفة. تلعب دوراً في الطب والتسويق والتجارة والفن والتربية...لها تأثيرها الخاص في اتخاذ القرارات كونها تستهدف منطقة  اللاوعي من العقل ومهمتها الفعلية كيفية استغلال هذه المنطقة من أجل تعزيز الثقة والإقناع وتحقيق التواصل. استطاعت الألوان أن ترتقي بالنفس البشرية إلى أبعد حدود مغذية الإحساس والمشاعر والفكر البشري.

كرستين سري الدين

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan